السبت، 8 ديسمبر 2012

مكانة السنة النبوية




الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.. أما بعد ..
فلا يشك مسلم من المسلمين أن القرآن الكريم وعلومه أشرف العلوم على الإطلاق، وأنه أنفع العلوم و أجلها و أعظمها بلا استثناء ..
وأهم علوم القرآن الكريم وأعظمها، وما من أجله أنزل، هو تدبر آياته، وفهم معانيه ؛ لأن الغاية العظمى من إنزال القرآن هي العمل به، والاعتبار بمواعظه، والاستضاءة بحكمه ؛ وذلك لا يحصل أبداً قبل فهم معانيه وتدبر آياته ؛ وإلا فكيف يعمل بالقرآن من لم يفهم القرآن ؟! ..
و لا يتم فهم كلام الله تعالى ، و لا يمكن أن ندرك معاني كتاب الله المجيد ، إلا بسنة النبي صلى الله عليه و سلم و علومها ، لأن السنة هي الشرح النظري و العملي للقرآن الكريم ...
و تأتي شرح السنة للقرآن الكريم ، في هذه الوظائف التالية :
أ – الوظيفة الأولى: فهي أن السنة تأتي أحياناً مؤكدةً لمعنى جاء في القرآن الكريم، ومقررةً له، وموافقةً لمعناه .. ومثله قوله صلى الله عليه و سلم في حديث جبريل المشهور، لما سأله عن الإيمان قال: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر ) .. كما في قوله تعالى : { وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً } ...
ب – الوظيفة الثانية : أن السنة تأتي مبينة و مفسرة لكتاب الله تعالى : يقول الله تعالى في محكم تنزيله: { وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } ... فظاهر الآية يدل على أن قصر الصلاة مشروط بحال الخوف ؛ لأنه قال: { فلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } .. فهذا المعنى يسبق إلى ذهن أي إنسان يسمع الآية، لكن إذا درس السنة وعرفها علم بالسنة القطعية المتواترة العملية؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يقصرون في السفر، ولو لم يكونوا خائفين ..
ج – الوظيفة الثالثة : أن السنة تأتي بحكمٍ جديد لم يكن مذكوراً في كتاب الله تعالى .
وأمثلة ذلك كثيرة لعل منها النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، لم يرد في القرآن الكريم ... إلى غير ذلك .

بيان سنة النبي صلى الله عليه و سلم



الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً .. أما بعد .
فقد تعرضت السنة منذ عصور قديمة لهجمات شرسة من أهل البدع، كالخوارج، والمعتزلة، والشيعة وغيرهم ، لكنها لم تتعرض كما تعرضت في هذا العصر لحملات ضارية ، تستهدف القضاء على السنة النبوية ، و إقصاءها عن واقع الأمة الإسلامية ، و لذلك وجب على القادرين منا أن يتحدثوا في موضوع السنة النبوية ، و يدافعوا عنها ، و يبينوا للناس حقيقة السنة و مكانتها بالنسبة للقرآن الكريم و مدى حجيتها حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ..
فهذه شاعرة لا تورد أمور الدين و لا تُصْدُرها ، و لكنها كتبت مقالاً في إحدى الصحف ، و ذكرت فيه حديث الرسول صلى الله عليه و سلم، في قصة الأعمى الذي جاء .. و قال: { يا رسول الله ! إنني ليس لي قائد يلازمني ، و أنا رجل بعيد الدار ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب } .. و الحديث في صحيح مسلم ، فقالت هذه الشاعرة : هذا الحديث في متنه علة .. أي : الحديث ضعيف ، لا نأخذ به .
ما هذه العلة ؟ و العلة في الواقع هي في عقلها ! ما هذه العلة ؟ ، قالت : إن هذا الحديث يعارض القرآن الكريم ! كيف يعارض القرآن الكريم ؟ ، قالت : لأن الله يقول : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } .. و هذا الحديث فيه مشقة و كلفة و حرج على الناس ، فهذا الحديث ليس بصحيح ! .. بهذه السهولة يرفض عدد ممن يتكلمون اليوم دون أن يحاسبهم أحد في قضايا الإسلام ، يرفضون أحاديث الرسول عليه الصلاة و السلام ..
تعريف السنة :
السنة النبوية هي أقوال النبي صلى الله عليه و سلم و أفعاله و تقريراته ، التي تدل على الأحكام الشرعية ..
الأصل في أفعال الرسول الاقتداء ...و الأصل فيما ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم من الأقوال والأفعال و غيرها ؛ أنها للتأسي و الاقتداء به عليه الصلاة والسلام ، و لا يخرج شيء عن الاقتداء و التأسي إلا بدليل واضح أو بحجة قائمة ...
و مما سبق من التعريف أن السنة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أقوال النبي صلى الله عليه و سلم المتعلقة بالتشريع :
و هي كثيرة جداً ، منها على سبيل المثال قول النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال : ( لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ولكم في الآخرة ) ... فهذا قول من النبي صلى الله عليه و سلم، يتضمن أحكاماً شرعية ، منها تحريم لبس الحرير و الديباج على الرجال ، و منها تحريم الأكل أو الشرب في آنية الذهب و الفضة و صحافها ؛ لأن هذا من شأن المشركين الذين يأكلون و يتمتعون كما تأكل الأنعام و النار مثوىً لهم ..
القسم الثاني : السنة الفعلية :
و هي أفعال النبي صلى الله عليه و سلم التي نقلها عنه أصحابه سواء كانت هذه الأفعال متعلقةً بالعبادات أو متعلقةً بالمعاملات ..
وهذه السنة الفعلية تنقسم أيضاً إلى قسمين :
القسم الأول : ما يعتبر تشريعاً ينبغي على الناس الاقتداء به والالتزام به ، إباحة أو إيجاباً أو استحباباً أو تحريماً ، و هذه الأشياء التي تدل على التشريع ، و يجب على الناس الالتزام بها ، إما أن تكون بياناً للقرآن الكريم ، أو تكون تأسيساً لحكمٍ جديد لم يرد في القرآن ..
القسم الثاني: ما لا يعد تشريعاً ، وهو أربعة أشياء :
الأول منها : ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم بمقتضى الجبلة و الطبيعة البشرية ، مثل نومه عليه السلام ، و أكله و شربه و قضائه لحاجته .. و غير ذلك من الأشياء التي فعلها بمقتضى الجبلة و الطبيعة ..
فهذه لا دخل فيها للاقتداء أصلاً، و لكن قد يكون الاقتداء بالرسول عليه الصلاة و السلام في شيءٍ يتعلق بأخلاقيات هذه الأشياء . إما استحباباً أو إيجاباً أو تحريماً او كراهة.
كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا آداب النوم و آداب الجماع ، و آداب التخلي و قضاء الحاجة ، و آداب الأكل و آداب الشرب ، ففي هذه الآداب ما هو مستحب أو واجب أو محرم أو مكروه. لكن أصل الفعل ليس فيه مجال للاقتداء ، فهو أمر طبيعي فطري جبلي موجود عند الإنسان ، فهذا ليس من باب التشريع ..
هذا هو النوع الأول مما لا يعد تشريعاً من أفعال النبي صلى الله عليه و سلم ..
النوع الثاني: ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم بمقتضى العادة :
فقد يكون هناك عادات اجتماعية موجودة في المجتمع ، ففعلها النبي صلى الله عليه و سلم بمقتضى العادة ، و ليس لأنها مشروعة أو مستحبة ، أو أمور تركها أيضاً بمقتضى العادة ، و ليس لأنها مكروهة أو محرمة .
و مثال ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم بمقتضى العادة ، كما ذكر بعض أهل العلم : ترك النبي صلى الله عليه و سلم لشعر رأسه ، فقد كان النبي عليه السلام له شعرٌ يضرب إلى منكبيه ، و في رواية إلى "شحمة أذنيه" ، و الأظهر و الله تعالى أعلم أن إطلاقه عليه السلام لشعر الرأس ، إنما أطلقه لأن هذه عادة معروفة عند العرب ، و الإسلام لم يرفض هذه العادة ، ففعلها النبي صلى الله عليه و سلم، و إن كان بعض أهل العلم قالوا : بل هذه سنة ..
النوع الثالث : من أفعال النبي صلى الله عليه و سلم التي لا تعد تشريعاً : ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم بمقتضى الخبرة و التجربة في الأمور الدنيوية البحتة ..
فكونه صلى الله عليه و سلم في الغزو يرتب الجيش ترتيباً معيناً، أو إذا أراد أن ينزل على ماء نزل عند هذا الماء أو عند ذاك، أو فعل أمراً يتعلق بالحرب، أو الزراعة، أو بالسفر أو بالإقامة، أو غيرها من الأمور الدنيوية البحتة المتعلقة بخبرة الناس، فهذا الأمر أيضاً ليس فيه مجال للتشريع والتأسي والاقتداء.
النوع الرابع : من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي لا تعد تشريعاً: ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم بالوحي من عند الله، و لكن دل الدليل على أنه خاص بالنبي صلى الله عليه و سلم ، و مثال ذلك : زواج النبي صلى الله عليه و سلم بأكثر من أربع نسوة؛ فإن الله تعالى أباح للأمة أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع، ولا يجوز الزيادة على أربع، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام مات عن تسع نسوة، فدل على أن هذا الأمر خاص به .
السنة التقريرية :
و المقصود بتقريراته ، أو بالسنة التقريرية : أن يفعل بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم شيء ، أو يفعل بغيبته لكنه يعلم به ، ثم يقر هذا الأمر و يسكت عنه ، أو يستحسنه و يرضى به ، فيدل على جوازه أو على استحبابه بحسب الحال ..
و من أمثلة تقريراته صلى الله عليه و سلم : ما ورد في قصة الضب ، فإن خالد بن الوليد أكل الضب بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم و لم ينكر عليه ؛ فدّل أن أكله مباح .. و غير ذلك من الأمثلة ..
صفحة فقه الكتاب و السنة في الفيس بوك 

نماذج من نصرة النبي صلى الله عليه و سلم و اتباع أوامره حال حياته و بعد وفاته..



الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله... و بعد.
 لقد سطَّرَ الصحابة و الصحابيات رضوانُ اللهِ عليهم أروع صورِ الحبِّ و الفداء لرسول الله صلى الله عليه و سلم و الدفاع عنه و عن سنته و امتثال أوامره و اجتناب نواهيه ..
فهذه أُمَّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها و أم سليم هذه هي الرميصاء و أختها هي أم حرام رضي الله عنهن.. و قيل: أن أم سليم خالت النبي صلى الله عليه و سلم بالرضاعة.. فاتَّخَذَتْ أم سليم يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ زوجها.. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ.. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم: مَا هَذَا الْخِنْجَرُ.. قَالَتْ اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ.. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَضْحَكُ.. فقَالَتْ أم سليم: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْتُلُ بهذا الخنجر.. مَنْ بَعْدَنَا مِنْ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بِكَ " أي: أقتل من انهزم عنك يا رسول الله.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَى وَ أَحْسَنَ..
و هذا أبو طلحة رضي الله عنها زوج أمِّ سُليم يقي رسولَ الله صلى الله عليه و سلم بصدرهِ يومَ أحدٍ و يقول: بأبي أنت و أمي يا رسولَ الله.. لا تُشْرِفْ فيُصيبُونَك.. نَحرِي دون نَحرِكَ يا رسول الله.. صدري دون صدرِكَ يا رسول الله... هكذا هي المرأة تعين زوجها على حب النبي صلى الله عليه و سلم و حب سنته..
إن طاعة النبي صلى الله عليه و سلم و اتباع سنته و الامتثال لأمره هو الإيمان و الحب الحقيقي للنبي صلى الله عليه و سلم.. فقد كان الواحد من الصحابة رضي الله عنهم و أرضاهم يطبق تطبيقاً عملياً لكل ما يؤمن به.. حيث كانوا ذا طاعة تامة و امتثال مباشر.. و هذه هي الحقيقة الإيمانية... و كذلك النساء في عهد النبي صلى الله عليه و سلم.. كن ينفذن أوامره في الحال.. لا يعترضن على أي أمر من أوامر الله و رسوله..
و استمع عبد الله.. استمعي أمة الله.. لسرعة استجابة الصحابيات رضي الله عنهن.. و امتثالهن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم.. فإن من عرف الحق هانت عنده التضحيات .. و يقدم حب الله و رسوله على حب شهواته و لذائذه.. فيسعد في دنياه و يسعد في أخراه...
و هذه القصة موجودة في صحيح مسلم و مسند أحمد بن حنبل رحمهما الله.. بروايات مختلفة.. و قد جمعت بين الروايتين.. (أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ مِنْ الْأَنْصَارِ و كان دميم الخِلقة لكنه رجل أعطاه الله من الإيمان ما أعطاه و كان كلما تقدم إلى بنت رفضته .. لأنه دميم الخلقة و لأنه قصير لا ترغب فيه النساء .. وَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ- و المرأة الأيِّم التي لا زوج لها- سواءٌ كانت بكراً أم ثيباً لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم ذَاتَ يَوْمٍ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، فَقَالَ فرحاً: نِعِمَّ وَ نُعْمَةُ عَيْنٍ- أي: و نعم الزوج و نعم النسب- .. ظن هذا الأنصاري أن النبي صلى الله عليه و سلم يريد أن يتزوج بابنته.. فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه و سلم: إِنِّي لَسْتُ لِنَفْسِي أُرِيدُهَا، قَالَ الأنصاري: فَلِمَنْ؟، قَالَ: لِجُلَيْبِيبٍ، قَالَ الأنصاري: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا- أي: أستشير أمَّها- فكأنه كان متردداً في تزويج ابنته لجليبب، فَأَتى الأنصاري زوجته .. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، ففرحت الزوجة وهللت.. و كيف لا تفرح.. و زوج ابنتها خير الخلق.. قَالَتْ: نِعِمَّ وَ نُعْمَةُ عَيْنٍ، زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم.. قَالَ لها زوجها: إِنَّهُ لَيْسَ يُرِيدُهَا لِنَفْسِهِ، قَالَتْ: فَلِمَنْ؟، قَالَ لِجُلَيْبِيبٍ.. قَالَتْ: حَلْقَى إذاً..- و هذه اللفظة تقوله العرب إذا أصابتهم مصيبة، و معناها أصابني وجعٌ في حلقي.. فكان الخبر كالصاعقة عليها حتى أصابها وجعٌ في حلقها- .. أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ مَرَّتَيْنِ .. لَا لَعَمْرُ اللَّهِ لَا أُزَوِّجُ جُلَيْبِيبًا لابنتي .. فَلَمَّا قَامَ أَبُوهَا لِيَأْتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم.. سمعت الفتاة بالخبر و أصبحت في حيرة من أمرها ..- فهي الآن في أمرين ، و بين موقفين: أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ذلك المنظر القبيح الذي لا تتحمله-.. ماذا قالت الفتاة.. قَالَتْ الْفَتَاةُ لِأُمِّهَا مِنْ خِدْرِهَا: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمَا، قَالَتْ أمها : النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم .. فقالت البنت لأمها و لأبيها: أتردان أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم؟، أين تذهبان من قول الله تعالى: {وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ..ادْفَعُونِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعُنِي.. فَأَتَى أَبُوهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم، فَقَالَ أبوها: شَأْنَكَ بِهَا.. فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا..
و في رواية أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا لهما فقال: اللهم صب الخير عليهما صباًّ و لا تجعل عيشهما كداً.. فبارك الله لهما.. و قيل: إن المال كان يأتيها لا تعلم من أين يأتيها..
هذه المرأة قدمت مراد الله و رسوله على حب شهواتها و ملذاتها.. فأكثر النساء اليوم.. يحبون أن يكون الزوج جميل المنظر.. حسن الهيئة.. ثري.. ذو نسب و حسب.. و لكن هذه الفتاة ضحت بكل ذلك من أجل أمر الله و رسوله.. فسعدت في الدنيا و الآخرة.. في الدنيا كان المال يأتيها من حيث لا تعلم.. و في الآخرة تسبح في أنهار الجنة.. في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. {وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}...
هذه نماذج من دفاع السلف الصالح عن النبي صلى الله عليه و سلم و سنته حال حياته ..
و إليكم نماذج من دفاع السلف الصالح عن السنة و تعظيمها و اعتناؤهم بها بعد وفاته صلى الله عليه و سلم..
لما قال بعض الناس في مجلس عمران بن حصين رضي الله عنه: دعنا من الحديث و حدثنا عن كتاب الله، غضب عمران رضي الله عنه و اشتد نكيره، و قال: "لولا السنة كيف نعرف أن الظهر أربع، و العصر أربع، و العشاء أربع، و المغرب ثلاث؟".. فالسنة بينت لنا تفاصيل الصلاة و تفاصيل الأحكام..
و لم يزل الصحابة رضي الله عنهم و أرضاهم يرجعون إلى السنة و يتحاكمون إليها و يحتجون بها..
و هذه قصة يتبين فيها تعظيم السلف للنبي صلى الله عليه و سلم و سنته: قال ابن المبارك رحمه الله: دخلت المدينة، فوجدت مالكاً مكثور عليه- أي: تكاثر الناس عليه-، قال: فأتيت فجلست في حلقته و هو يقرأ في الموطأ، قال: فتغير وجهه ثلاث عشرة مرة، يحمر ثم يعود ثم يحمر ثم يعود، فلما انتهى من درسه، قلت: ما لك يا أبا عبد الله؟، قال: انظر لدغتني عقرب ثلاث عشرة مرة، ثم رفع ثوبه فرأيت اللدغة في رجله، قلت: ما لك ما قطعت الحديث؟ ، قال: أقطع حديث حبيبي رسول الله صلى الله عليه و سلم من أجل نفسي لا و الله، قال: ثم تفل في يده و قرأ الفاتحة و مسح رجله فكأن ما به شيء رضي عنه و أرضاه..
لا إله إلا الله.. الإمام مالك إمام السنة تلدغه عقرب ثلاثة عشر مرة.. و لا يقطع حديث النبي صلى الله عليه و سلم... فما هو حالنا اليوم مع سنة محمد صلى الله عليه و سلم.. كيف هو اهتمامنا بحديث النبي صلى الله عليه و سلم حفظاً و تطبيقاً.. و منهاجاً في حياتنا اليومية؟..
اليوم قد ضُيع حق الله .. و ضاعت كثيرٌ من سنن المصطفى صلى الله عليه و سلم .. كم من أمر .. أمرنا بها رسولنا صلى الله عليه و سلم فخالفناه .. فتجد كثيراً من الناس .. قد ضيعوا حق الله .. فتجدهم .. يمرغون رؤوسهَم في قبور الأولياء .. فيطلبون منهم كشف الكربات .. و تفريج الهموم و يدعونهم من دون الله .. يعبدون القبور .. و يفعلون فعل مشركي مكة في عصر النبي صلى الله عليه و سلم .. و هذه الصلاة .. قد ضُيعت .. فتجد كثيراً من الناس من لا يصلي الفجر حتى يدخل وقت الظهر .. و منهم من يصلي فرضين و يترك باقي الفروض .. و لا حول و لا قوة إلا بالله .. و كم من أمر نهانا عنه الرسول صلى الله عليه و سلم .. و توعد مرتكبه و زجر عنه... أصبحت من أساسيات حياة الناس اليوم .. و التي لا غنى لهم عنها .. فهذا الغناء .. حرمه الله و رسوله صلى الله عليه و سلم .. أصبح أساسياً في حياة كثيرٍ من الناس .. فتجد كثيراً من بيوت المسلمين إلا من رحم الله فيه هذا دش الديجتال .. الذي يعرض الموسيقى و الغناء و الرقص و المسلسلات الفاحشة .. فكثيرٌ من بيوت المسلمين .. كثيرٌ من أمة محمد صلى الله عليه و سلم يشاهدون و يتابعون المسلسلات الهدامة و يضيعون أوقاتهم و سنواتهم بسنوات الضياع .. و لا حول و لا قوة إلا بالله .. بل تجد الغناء في سياراتهم و جوالاتهم و جميع حياتهم .. قد أصبح شيئاً أساسياً .. هل هذا هو حب النبي صلى الله عليه و سلم.. كثيرٌ من الناس اليوم يرفعون شعارات .. إلا الحبيب يا عباد الصليب و تراهم يفعلون أفعال عباد الصليب .. فترى بعضهم يعجب بمايكل جاكسون و يفتخر به .. بل يقلد حركاته من رقص و غناء .. و ميوعة .. و تغنج .. و لا حول و لا قوة إلا بالله ..  
إننا مقصرون أيها الأخوة كثيراً و كثيراً في حق نبينا.. و لو قصر ولدك في حقك ما رضيت بهذا ، فلو قصر ولدك في حقك أيتها الأم من الطاعة و الإحترام ، لأقمتي الدنيا و أقعدتها ، بل ربما طردت هذا الولد من بيتك لقلة أدبه و عدم احترامه و تقديره لك ..
و قس على هذا سائر الحقوق بين الناس... لن يرضى و لن يقبل أحد بالتقصير في حقه .. فهلا حاسبنا أنفسنا عباد الله .. و أدينا حقوق رسولنا صلى الله عليه و سلم.. أفضل من عبد الله تحت أديم السماء .. أرجو أن نكون ممن أدى حقوق رسولنا صلى الله عليه و سلم...
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.

محبة النبي صلى الله عليه و سلم..


الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله خير الأنام..
أيها الأحبة الكرام... جميع المخلوقات تحب النبي صلى الله عليه و سلم... و ذلك لما تميز به النبي الكريم الرحيم من الأخلاق العالية.. كيف لا و هو الهادي البشير الرحمة المهداة...
ذلكم النبي الكريم.. ذو الخُلق العظيم.. أُوتي مكارم الأخلاق.. و خصه الله من أنواع الفضائل و صفات الكمال.. {و إنك لعلى خلق عظيم}.. و لو تكلمنا عن خلق النبي صلى الله عليه و سلم لاحتجنا إلى كتب و مؤلفات عظيمة...
فهذا موقف واحدٍ فقط من بين آلاف المواقف يبين خلقه صلى الله عليه و سلم.. فبينما أَنَسُ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه يمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم إذ جاء أَعْرَابِيٌّ من خلف النبي صلى الله عليه و سلم فشد ثوبه من جهة رقبته..  حَتَّى أثرَّ ذلك على عنق رسول الله صلى الله عليه و سلم.. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَعْطِنِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ.. ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم؟.. هل نهره أو زجره أو شتمه و ضربه.. لا.. بل َالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.. ذلكم النبي الكريم ذو الخلق العالية {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}..
فبهذا الخلق العظيم منه صلى الله عليه و سلم أحبه كل الخلق.. بل يجب علينا محبته.. فمحبته عبادة.. محبتُه طاعةٌ مفروضة.. محبتهُ إيمان و تصديق.. يتقرب به العبد إلى الله.. و الذي لا يحب النبي صلى لله عليه و سلم ليس بمؤمن.. قال صلى الله عليه و سلم: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَ وَلَدِهِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ).. 
و لكن كيف تكون محبته صلى الله عليه و سلم.. هل محبته بلصق شعارات محبة النبي على السيارات و المنازل.. بالطبع لا.. 
إن معنى محبة النبي صلى الله عليه و سلم هي.. طاعته فيما أمر... و تصديقه فيما أخبر... و اجتناب ما نهى عنه و زجر... و أن لا يُعبد الله إلا بما شرع...
و طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر: تشمل جميع الأوامر دون استثناء..
و تصديقه فيما أخبر... كل ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه و سلم يجب علينا أن نصدقه بها... من الأمور الغيبية و غيرها مما لم نشاهدها.. و ما لم تقع بعد... فلابد من التصديق بخبر الدجال و علامات الساعة الصغرى و الكبرى و أحوال يوم القيامة.. و غير ذلك من الأمور الغيبية و التي لم تقع بعد..
و اجتناب ما نهى عنه و زجر... فتشمل كل ما نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن اجتنابه...
و أن لا يعبد الله إلا بما شرع.. فإن الله عز وجل لا يجوز أن يُعبد إلا بما شرعه سبحانه أو شرعه رسوله صلى الله عليه و سلم.. و أي بدعة يأتي بها الإنسان من عند نفسه.. فهي طعن في شرع الله من جهة.. و نقض لحق المصطفى صلى الله عليه و سلم.. و نقص في حبه صلى الله عليه و سلم من جهة أخرى..
و كذلك نشر أحاديث ضعيفة و موضوعة مكذوبة عليه صلى الله عليه و سلم و عدم بيان ضعفها من الأمور التي تنقص محبته صلى الله عليه و سلم.. و فيها إساءة بسنته صلى الله عليه و سلم... قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: (لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجْ النَّارَ). أخرجه البخاري..
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً