حكم الماء إذا بلغ قلتين




حكم الماء إذا بلغ قلتين:
(4) وَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: ( إِذَا كَانَ اَلْمَاءَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ اَلْخَبَثَ ). وَ فِي لَفْظٍ: ( لَمْ يَنْجُسْ ).
أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ, وَ صَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ. وَ ابْنُ حِبَّانَ.
تخريج الحديث:
هذا الحديث رواه أبو داود و النسائي و الترمذي و ابن ماجه.
درجة الحديث:
الحديث إسناده صحيح، و يسمى "حديث القلتين".
و اختلف العلماء في صحة هذا الحديث: فحكم عليه بعضهم بالاضطراب سنداً و متناً.
فأما اضطراب سنده: فلأن مداره على الوليد بن كثير، فقيل: عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير.. و قيل: عنه عن محمد بن عباد بن جعفر.. و تارة: عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر.. و تارة: عن عبد الله بن عبد الله بن عمر..
و الجواب: أن هذا ليس اضطراباً قادحاً، فإنه- على تقدير أن يكون الجميع محفوظاً- فإنه انتقال من ثقة إلى ثقة.
و عند التحقيق: الصواب أنه الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر.. و عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر.. و من رواه على غير هذا الوجه فقد وهم.
و قد رواه جماعة عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير على الوجهين، و له طريق ثالثة رواها ابن ماجه و الحاكم و غيرهما من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه..
و سُئل ابن معين عن هذا الطريق؟ فقال: إسنادها جيد، قيل له: فإن ابن علية لم يرفعه، فقال: و إن لم يحفظه ابن علية فالحديث جيد الإسناد..
و أعله بعضهم بالوقف لأن مجاهداً رواه موقوفاً، و صحح وقفه الدارقطني، و البيهقي، و المزي، و ابن تيمية.
و أما اضطراب متنه: فلأنه روي: (ثلاث قلال)، و روي: (أربعين قلة).
و الجواب عنها: ان رواية (ثلاث)، و رواية (أربعين) شاذة، و ان الصحيح فيها: (قلتان).
و قال الشيخ الالباني: الحديث صحيح رواه الخمسة، مع الدارمي، و الطحاوي، و الدارقطني، و الحاكم، و البيهقي، و الطيالسي، بإسناد صحيح عنه، و قد صححه الطحاوي، و ابن خزيمة، و ابن حبان، و الحاكم، و الذهبي، و النووي، و ابن حجر العسقلاني، و إعلال بعضهم إياه مردود.
و اما تخصيص القلتين بــ(قلال هجر): فلم يرد مرفوعاً إلا من طريق المغيرة بن صقلاب، و هو منكر الحديث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن، و يحتج به، و أجابوا عن كلام من طعن فيه".
مفردات الحديث:
قلتين: ثنية قلة، و هي الجرة الكبيرة من الفخار، و الجمع قلال.
و القلتان: 500 رطل عراقي، و الرطل العراقي: 90 مثقالاً. و بالصاع: (93.75) صاعاً، كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. و بالكيلو: نحو 200 كيلوغرام.
لم يحمل: و للحمل معان، أحدها: لم يقبل حمل الخبث، و لم يغلب عليه، و هو المراد هنا.
قلال هجر: جاء تقييد القلال في بعض الروايات بهجر، و تقييدها بهذا المكان لأن قلالها معروفة المقدار.
هجر: قرية من قرى المدينة.
ما يؤخذ من الحديث:
1- أن الماء إذا بلغ قلتين، فإنه يدفع النجاسة عن نفسه، فتضمحل فيه، و لا تؤثر فيه، ما لم تغيره، و هذا منطوق الحديث.
2- مفهوم الحديث: أن ما دون القلتين تؤثر فيه النجاسة، فينجس بملاقاتها، تغير بالنجاسة أو لا.
3- مناط التنجيس هو كون الماء الذي لاقته النجاسة قليلاً، أي: دون القلتين.
خلاف العلماء:
ذهب الأئمة أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أتباعهم إلى: أن القليل من الماء ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة، و لو لم تتغير صفة من صفاته.
و القليل عند أبي حنيفة هو: الذ إذا حركت ناحية منه تحركت الناحية الأخرى.
أما القليل عند الشافعية و الحنابلة فما دون القلتين.
و ذهب الإمام مالك و الظاهرية و شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم و الشيخ محمد بن عبد الوهاب و علماء الدعوة السلفية بنجد و غيرهم من المحققين إلى أن الماء لا ينجس بملاقاة النجاسة، ما لم تتغير أحد أوصافه الثلاثة: الطعم أو اللون أو الريح.
و استدل القائلون بنجاسة الماء بمجرد الملاقاة بمفهوم حديث ابن عمر في القلتين، فإن مفهومه عندهم أن ما دون القلتين ينجس بمجرد الملاقاة. كما استدلوا بحديث الأمر بإراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب و لم يتغير..
و حديث القلتين لا يخالف فيه الحنفية، ذلك أن القلتين إذا صبتا في موضع فإنه لا يتحرك أحد جانبيه بتحريك الآخر.
و أما أدلة الذين لا يرون التنجس إلا بالتغير، فمنها حديث القلتين، فإن معنى الحديث: ان الماء الذي بلغ قلتين لا ينجس بمجرد الملاقاة، لأنه لا يحمل الأنجاس و تضمحل فيه، و أما مفهوم الحديث: فغير لازم، فقد يحصل التنجس إذا غيرت النجاسة صفة من صفاته، و قد لا يحمل النجاسة.
كما يستدلون على ذلك بحديث صب الذنوب على بول الأعرابي، و غير ذلك من الأدلة.
قال ابن القيم: الذي تقتضيه الأصول: أن الماء إذا لم تغيره النجاسة، فإنه لا ينجس، ذلك أنه باق على أصل خلقه، و هو طيب داخل تحت قوله تعالى: {و يحل لهم الطيبات}. و هذا هو القياس في المائعات جميعها، إذا وقع فيها نجاسة فلم يظهر لها لون و لا طعم و لا ريح.


أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قراراً بشأن المياه المتلوثة بالنجاسات إذا عولجت بواسطة الوسائل الفنية ثم زالت منها النجاسة فقرر ما يلي:
قرار رقم 64 في 25/10/1398هـ الآتي:
بعد البحث و المداولة و المناقشة قرر المجلس ما يلي:
بناءً على ما ذكره أهل العلم من ان الماء الكثير المتغير بنجاسة، يطهر إذا زال تغيره بنفسه، أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول مكث، او تأثير الشمس، و مرور الرياح عليه، او نحو ذلك، لزوال الحكم بزوال علته.
و حيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل، و حيث إن تنقيتها و تخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية يعتبر من احسن وسائل التطهير، حيث يُبذل الكثير من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات، كما يشهد بذلك و يقرره الخبراء المختصون بذلك ممن لا يتطرق الشك إليهم في عملهم و خبرتهم و تجاربهم.
لذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة، بحيث تعود إلى خلقتها الأولى، لا يُرى فيها تغير بنجاسة في طعم و لا لون و لا ريح.
و يجوز استعمالها في إزالة الأحداث و الأخباث، و تحصل الطهارة بها منها.
كما يجوز شربها، إلا إذا كانت هناك اضرار صحية تنشأ عن استعمالها، فيمتنع ذلك محافظة على النفس، و تفادياً للضرر، لا لنجاستها.
و المجلس إ يقرر ذلك، يستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب مت وجد إلى ذلك سبيل احتياطاً للصحة، و اتقاء للضرر، و تنزهاً عما تستقذره النفوس، و تنفر منه الطباع.
و الله الموفق. و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
..................................................................................................
قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم الأحد 13 رجب 1409هـ الموافق 19 فبراير 1989م، إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ:
نظر المجلس في السؤال عن حكم ماء المجاري بعد تنقيته، هل يجوز رفع الحدث بالوضوء و الغسل به؟ و هل تجوز إزالته به؟.
و بعد مراجعة المختصين بالطرق الكيماوية، و ما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على مراحل أربع، و هي: الترسيب، و التهوية، و قتل الجراثيم، و تعقيمه بالكلور، بحيث لا يبقى للنجاسة اثر في طعمه و لونه و ريحه، و هم مسلمون عدول، موثوق بصدقهم و أمانتهم.
قرر المجمع ما يأتي:
أن ماء المجاري إذا نُقي بالطرق المذكورة و ما يماثلها، و لم يبق أثر في طعمه و لا في لونه و لا في ريحه صار طهوراً، يجوز رفع الحدث و إزالة النجاسة به، بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر: أن الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه، إذا لم يبق لها أثره فيه.. و الله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق