الحمد لله رب
العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً
.. أما بعد .
فقد تعرضت السنة منذ
عصور قديمة لهجمات شرسة من أهل البدع، كالخوارج، والمعتزلة، والشيعة وغيرهم ،
لكنها لم تتعرض كما تعرضت في هذا العصر لحملات ضارية ، تستهدف القضاء على السنة
النبوية ، و إقصاءها عن واقع الأمة الإسلامية ، و لذلك وجب على القادرين منا أن
يتحدثوا في موضوع السنة النبوية ، و يدافعوا عنها ، و يبينوا للناس حقيقة السنة و مكانتها
بالنسبة للقرآن الكريم و مدى حجيتها حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ..
فهذه شاعرة لا تورد
أمور الدين و لا تُصْدُرها ، و لكنها كتبت مقالاً في إحدى الصحف ، و ذكرت فيه حديث
الرسول صلى الله عليه و سلم، في قصة الأعمى الذي جاء .. و قال: { يا رسول الله !
إنني ليس لي قائد يلازمني ، و أنا رجل بعيد الدار ، فقال له النبي صلى الله عليه و
سلم: هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب } .. و الحديث في صحيح مسلم ، فقالت
هذه الشاعرة : هذا الحديث في متنه علة .. أي : الحديث ضعيف ، لا نأخذ به .
ما هذه العلة ؟ و العلة
في الواقع هي في عقلها ! ما هذه العلة ؟ ، قالت : إن هذا الحديث يعارض القرآن
الكريم ! كيف يعارض القرآن الكريم ؟ ، قالت : لأن الله يقول : { يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } .. و هذا الحديث فيه مشقة و كلفة
و حرج على الناس ، فهذا الحديث ليس بصحيح ! .. بهذه السهولة يرفض عدد ممن يتكلمون
اليوم دون أن يحاسبهم أحد في قضايا الإسلام ، يرفضون أحاديث الرسول عليه الصلاة و السلام
..
تعريف السنة :
السنة النبوية هي
أقوال النبي صلى الله عليه و سلم و أفعاله و تقريراته ، التي تدل على الأحكام
الشرعية ..
الأصل في أفعال الرسول
الاقتداء ...و الأصل فيما ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم من الأقوال والأفعال
و غيرها ؛ أنها للتأسي و الاقتداء به عليه الصلاة والسلام ، و لا يخرج شيء عن
الاقتداء و التأسي إلا بدليل واضح أو بحجة قائمة ...
و مما سبق من التعريف
أن السنة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أقوال
النبي صلى الله عليه و سلم المتعلقة بالتشريع :
و هي كثيرة جداً ،
منها على سبيل المثال قول النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه عن
حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال : ( لَا تَلْبَسُوا
الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ولكم
في الآخرة ) ... فهذا قول من النبي صلى الله عليه و سلم، يتضمن أحكاماً شرعية ،
منها تحريم لبس الحرير و الديباج على الرجال ، و منها تحريم الأكل أو الشرب في
آنية الذهب و الفضة و صحافها ؛ لأن هذا من شأن المشركين الذين يأكلون و يتمتعون
كما تأكل الأنعام و النار مثوىً لهم ..
القسم الثاني : السنة
الفعلية :
و هي أفعال النبي صلى
الله عليه و سلم التي نقلها عنه أصحابه سواء كانت هذه الأفعال متعلقةً بالعبادات
أو متعلقةً بالمعاملات ..
وهذه السنة الفعلية
تنقسم أيضاً إلى قسمين :
القسم الأول : ما
يعتبر تشريعاً ينبغي على الناس الاقتداء به والالتزام به ، إباحة أو إيجاباً أو
استحباباً أو تحريماً ، و هذه الأشياء التي تدل على التشريع ، و يجب على الناس
الالتزام بها ، إما أن تكون بياناً للقرآن الكريم ، أو تكون تأسيساً لحكمٍ جديد لم
يرد في القرآن ..
القسم الثاني: ما لا
يعد تشريعاً ، وهو أربعة أشياء :
الأول منها : ما فعله
النبي صلى الله عليه و سلم بمقتضى الجبلة و الطبيعة البشرية ، مثل نومه عليه
السلام ، و أكله و شربه و قضائه لحاجته .. و غير ذلك من الأشياء التي فعلها بمقتضى
الجبلة و الطبيعة ..
فهذه لا دخل فيها
للاقتداء أصلاً، و لكن قد يكون الاقتداء بالرسول عليه الصلاة و السلام في شيءٍ
يتعلق بأخلاقيات هذه الأشياء . إما استحباباً أو إيجاباً أو تحريماً او كراهة.
كما أن الرسول عليه
الصلاة والسلام علمنا آداب النوم و آداب الجماع ، و آداب التخلي و قضاء الحاجة ، و
آداب الأكل و آداب الشرب ، ففي هذه الآداب ما هو مستحب أو واجب أو محرم أو مكروه. لكن
أصل الفعل ليس فيه مجال للاقتداء ، فهو أمر طبيعي فطري جبلي موجود عند الإنسان ،
فهذا ليس من باب التشريع ..
هذا هو النوع الأول
مما لا يعد تشريعاً من أفعال النبي صلى الله عليه و سلم ..
النوع الثاني: ما
فعله النبي صلى الله عليه و سلم بمقتضى العادة :
فقد يكون هناك عادات
اجتماعية موجودة في المجتمع ، ففعلها النبي صلى الله عليه و سلم بمقتضى العادة ، و
ليس لأنها مشروعة أو مستحبة ، أو أمور تركها أيضاً بمقتضى العادة ، و ليس لأنها
مكروهة أو محرمة .
و مثال ما فعله النبي
صلى الله عليه و سلم بمقتضى العادة ، كما ذكر بعض أهل العلم : ترك النبي صلى الله
عليه و سلم لشعر رأسه ، فقد كان النبي عليه السلام له شعرٌ يضرب إلى منكبيه ، و في
رواية إلى "شحمة أذنيه" ، و الأظهر و الله تعالى أعلم أن إطلاقه عليه
السلام لشعر الرأس ، إنما أطلقه لأن هذه عادة معروفة عند العرب ، و الإسلام لم
يرفض هذه العادة ، ففعلها النبي صلى الله عليه و سلم، و إن كان بعض أهل العلم
قالوا : بل هذه سنة ..
النوع الثالث : من
أفعال النبي صلى الله عليه و سلم التي لا تعد تشريعاً : ما فعله النبي صلى الله
عليه و سلم بمقتضى الخبرة و التجربة في الأمور الدنيوية البحتة ..
فكونه صلى الله عليه
و سلم في الغزو يرتب الجيش ترتيباً معيناً، أو إذا أراد أن ينزل على ماء نزل عند
هذا الماء أو عند ذاك، أو فعل أمراً يتعلق بالحرب، أو الزراعة، أو بالسفر أو
بالإقامة، أو غيرها من الأمور الدنيوية البحتة المتعلقة بخبرة الناس، فهذا الأمر
أيضاً ليس فيه مجال للتشريع والتأسي والاقتداء.
النوع الرابع : من
أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي لا تعد تشريعاً: ما فعله النبي صلى الله عليه
و سلم بالوحي من عند الله، و لكن دل الدليل على أنه خاص بالنبي صلى الله عليه و
سلم ، و مثال ذلك : زواج النبي صلى الله عليه و سلم بأكثر من أربع نسوة؛ فإن الله
تعالى أباح للأمة أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع، ولا يجوز
الزيادة على أربع، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام مات عن تسع نسوة، فدل على أن
هذا الأمر خاص به .
السنة التقريرية :
و المقصود بتقريراته ،
أو بالسنة التقريرية : أن يفعل بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم شيء ، أو يفعل
بغيبته لكنه يعلم به ، ثم يقر هذا الأمر و يسكت عنه ، أو يستحسنه و يرضى به ، فيدل
على جوازه أو على استحبابه بحسب الحال ..
و من أمثلة تقريراته صلى
الله عليه و سلم : ما ورد في قصة الضب ، فإن خالد بن الوليد أكل الضب بحضرة النبي صلى
الله عليه و سلم و لم ينكر عليه ؛ فدّل أن أكله مباح .. و غير ذلك من الأمثلة ..
صفحة فقه الكتاب و السنة في الفيس بوك
صفحة فقه الكتاب و السنة في الفيس بوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق